لنعود أنفسنا على هذا الأمر ..

قـائـمـة الأوسـمـة · #1

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أسعد الله أوقاتكم وجعلها عامرةً بذكره وطاعته

أحبتي في الله هذا الموضوع طرأ علي هذه الأيام وأحببت أن تشاركوني فيه
وجعلتُ الشعار له : " مابين العفو والوفاء تبرز وتتجلّى النفوس الطيبة "

وما جعلني أتنبّه لهذا الموضوع وأحرص عليه , كثرة ما نسمع من أخبار الوفيات , من قريب وبعيد , فقد تسمع أن فلاناً من الناس الذي كان يدرس معك في المرحلة المتوسطة وافاه الأجل في حادث تعرض له , وقد تسمع فتاة أن صديقتها توفيت بأي سبب من الأسباب , لهذا وجب عليّ تذكير نفسي وتذكيركم في هذه الأحوال ماذا نفعل لمن حان أجله وانقضى عمره ..

قد تحدث بيننا مشادّات , أيّاً كنا سواءً إخوة , أخوات , أصدقاء ’ زملاء دراسة أو عمل , أيّاً كانت العلاقة فقد تحدث مشادات وأخذ وجذب وما إلى ذلك وقد يصل إلى حد السب والشتم أحيانا والظلم في أحيانٍ أخرى ,أيضاً قد نأخذ من بعضنا البعض دراهم كثيرة أو معدودة على أنها سلفة ولو حتى ريال واحد وقد ننسى ذلك مع الوقت وتسير عجلة الحياة ونسير معها دون أن نلقي لما حدث اعتباراً أقول "قد" لأن هناك من لايهنأ ولايرتاح إلا عندما يستسمح ويترضّا ممن اخطأ في حقه أو ظلمه ويعيد الدراهم التي أخذها إلى صاحبها , لذلك أعود للحديث عمن يخطئ ويتسلّف وينسى وما علم أن هناك لوح تُسَطّر فيه جميع أقواله وأفعاله (لايضل ربي ولاينسى) فهو نسي ما حدث وقد يكون من وقع عليه الخطأ أو من أُخِذَت دراهمه نسي أيضاً ومرّت السنون تلو السنون إلى أن سمع المُساء إليه خبر وفاة المُسيء ولم يَدُر في خَلَدِه أي شيء يذكره بالخطأ الذي حصل من الميت تجاهه أو بالدين الذي له على ذلك الميت حتى يسامحه أو يعفو عنه!
لذلك قد يكتفي بالصلاة عليه أو الترحم دون أن يحلله ويعفو عنه للحق المعنوى أو المادي!
وذلك المسكين الذي هو تحت التراب أمره متعلّق بعد الله بعفو ومسامحة هذا الشخص!
يا الله!
والله إنه لأمر عظيم وخطب جلل لا يعلم مدى عظمه إلا الله!

من هذا المنطلق أطلقت شعار العفو وزدت عليه شعار الوفاء فقلت : " ما بين العفو والوفاء تبرز وتتجلّى النفوس الطيبة "

أحبتي لِنُعوِّد أنفسنا على أن نعفو ونسامح من مات وهو مخطئ في حقنا , أنا لا أختزل العفو وقت الوفاة فقط , وإنما أقول من باب أولى لأن الميت يواجه أمراً لايعلم به إلا الله لذلك كان أولى أن نعفو عنهم ونسامح ونحلل , العفو فضله عظيم , فهو من صفات المتقين وهو طريق إلى الجنة قال تعالى (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) .. وهي سبب لمغفرة الله سبحانه وتعالى (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) والذي يعفو له أجر عظيم عند الله , قال جلّ من قائل (فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين) , ويكفيك فخراً حينما تعفو أنك تكون مطيعاً لربك ولكي يحبك الله (فاعفُ عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين) ..
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس , فيُغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء , فيُقال : أَنظِروا (أي أمهلوهما) هذين حتى يصطلحا . أنظروا هذين حتى يصطلحا .. رواه مسلم
والعفو سبيل العزة , قال صلى الله عليه وسلم : وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله .. رواه مسلم

وقد عفا أحمد بن حنبل رحمه الله عمن وقع فيه وقال : وما ينفعك أن يُعذَّب أخوك المسلِم بسببك!

فيا أحبّتي لنعوّد أنفسنا إن نحن نسينا في بادئ الأمر فلا ننسى حينما يصلنا خبر الوفاة , لنعود أنفسنا أن نقول , اللهم إني عفوت عمن ظلمني وقال فيني سوءاً أو تكلم فيني بغير حق أو أخذ مالي , اللهم إني عفوت عنه لوجهك الكريم وابتغاء عفوك وغفرانك فاغفر لي وله واعفو عني وعنه ياعفو يا كريم .

والله الذي لا إله إلا هو لا تعلمون ما مدى تأثير ذلك على الأموات لا يعلمه إلا الله جل جلاله ولكن الأمر الأكيد أنه سيفرحون ويبتهجون بعفوكم ومسامحتكم وقد تكونون بعفوكم سبباً في اتساع قبر قد ضُيّق على مسلم بسبب مظلمه!
فالله الله بهذا الأمر فقد يأتي الوقت الذي نكون مكانهم ونكون بحاجة من يعفو عنا بسبب ريال واحد أو كلمة سوء واحده!
أوصي نفسي وإياكم بأن نُعوّد أنفسنا على العفو والمسامحة فقد نكون نسينا أشياء ماضية لكنها مسجّلة ومسطّره , إن تكُ مثقال ذرة يأتي بها الله , ولايظلم ربك أحداً!

الأمر الآخر الوفاء!
نحن وللأسف عندما يموت لنا ميت , جد أو جدة , أب أو أم , أخ أو أخت , أياً كان فإننا نبكي عليه ونترحم لأيام , لشهور , لسنة , سنتين , عشر ثم ننسى!

لماذا لا نراجع أنفسنا وكلٌ منا الآن يتذكر من مات منذ سنين , صديقه أو أخيه أو أو أياً كانت درجة العلاقة أو القرابة , دعونا نتسائل الآن : ألسنا مقصرين بحقهم؟ ألم تشغلنا الدنيا عن ذكرهم؟ قد يقول قائل أنا أدعو لهم , أقول نعم وهل هناك أقل من الدعاء! نريد أمراً آخر غير الدعاء , الدعاء قول وهو مهم لا أقلّل أبداً من شأنه ولا أستنقصه لا والله, ولكن لنجعل مع الدعاء عمل , لنتعاهد على أن نكون أوفياء لموتانا حتى ولو بعد سنين طويله .. فهذا يُخرِج مبلغاً مالياً ويتصدق به عن عمه فلان الذي توفي منذ 5 سنوات , والآخر يجمع مبلغاً مالياً يطبع به عدداً من المصاحف ويوزعها وينوي بها عن خالته فلانه التي توفيت منذ عشر سنوات , والأخرى تذكر صديقاتها بفلانة التي كانت معهم من أيام الثانوي وقد توفيت في حادث منذ 3 سنوات فتقول لهن لنجمع مبلغاً من المال ونحفر به بئر عن فلانة صديقتنا وهكذا كلن يفعل مايستطيع !

والله إن نحن تعاهدنا على هذا الأمر فبإذن الله سيسخّر الملك الحق سبحانه من يقوم بهذه الأعمال عنا ونحن تحت التراب في أمَسّ الحاجة لمن يذكرنا بدعوة واستغفار وعفو وعمل صالح!!

الله الله بالعفو عن الأموات خصوصاً , حتى لو قلت لا أذكر منه أمراً يستحق العفو فقد تكون نسيت ما حدث , فاعفو وسامحوا واستغفروا لأنفسكم وللأموات , وقوموا ببعض أعمال الخير عنهم حتى يأتي اليوم الذي يقوم غيركم ببعض الأعمال عنكم!

هذا ما أحببت أن أذكر نفسي وإياكم به

قد قلت ما قلت
إن صواباً فمن الله وحده
وإن خطأ فمن نفسي والشيطان

هذا والله أعلم

وصلى الله وسلم على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين

المصدر: منتدى الخليج