![]() |
![]() |
|
#1 | ||||||||||
![]() ![]()
|
بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا قسورة، قال : و كما هي الحال يا سادة ، لم تفارقني تلك العادة . و هو تجوالي في أزقة" باريس" كل أسبوع ، و حالي إلى صغو ذلك مطبوع ، ما انتهى ظلام إلى فلق، وتأدى غروب إلى غسق . فأمعنت في الدوران و السياحة، وجعلت أقطع ساحة بعد ساحة .. و قد طفت على بعض المعالم متفرجــًا ، و في بعض الأزقة معرّجــًا .. و أنا غارق في تفكيري و تخميني ، فلم أفق إلاّ و أنا بالحي " اللاتيني " .. آهٍ ! باريس بمنتزهاتها جوهر، ونسيم " السين " المعطر، وجوّها مسك أذفر. ناهيك عن يومها غداة وليلها سحر ... طعامها هني، وشرابها مري.. مدينة واسعة الرقعة، نظيفة البقعة. كأن محاسن الدنيا فيها مفروشة، وصورة الحسن بها منقوشة ، فهي واسطة البلاد وسرتها، وواجهة الدولة وغرتها. و مع ما حكى عنها من القول ، الاّ أنّ هذا ذكّرني بالشاعر العربي الفحل . و هو يقول : ولكن الفتى العربي فيها ***** غريب الوجه و اليد و اللسان . و عند بلوغ أمنيتي ، و وصولي إلى غايتي .. فإذا بي إمام زميلة أيام التعلّم و الدرس ، و " صديقة " الصبا لا الانس..ومن دون المقدمات ، و التحيات ، بادرتني سائلة ، و بغضب قائلة : أ هذا حالكم ايها الرجال ؟ من كنا نعقد عليكم الآمال ؟ فقلت لها : عمن تتكلمين ؟ و بأسئلتكِ هذه ماذا تقصدين ؟.. فأجابت : انظر ماذا كتب بعض " السلف " ، ليحتجّ به علينا بعض الخلف " الإصابة في منع النساء من تعلم الكتابة " أ تصدق هذا ؟ .. أنّ " سلفكم " جعل الكتاب حجة و إصابة يعني صواب ، ولكل سؤال جواب.. عندئذ طلبت منها التوقف ، فوقفنا.. و أمام الملأ في حديقة عامة استرحنا .. فقلت لها : بالرغم ما ذهب إليه المؤلف ، فرأيه يعلوه النقص و الضعف .. و لم يكن محل إجماع ، وكلّ أتى بما استطاع .. فمنهم من نقل عن أخبارهم زورًا و مينـــًا ، و منهم من أستعبد عقولا ضعافًا من الدهر حينـًا ، و منهم ـ يا أختاه !ـ من كتب كتابًا وأملاه، و على طريقته سمّاه " عقود الجمان في جواز تعليم الكتابة للنسوان .. " و برأيها الصريح أجابت ، و لسانها الفصيح قالت : و لكن المانعين رأيهم هو الذي ساد حينًا من الدهر ، و جُهّلت المرأة أوانـًا من العصر .. وبثقة هائلة استطردت قائلة : و يحك ! إن العلم في ديننا ليس حقّا يمكن عنه الاستغناء ، بل هو واجب يستوجب الأداء .. و اقرأ ايها المتعلم فـ" طلب العلم فريضة على كل مسلم " . و اعلم أن أول كلمة أرسلت ، و في أول سورة على الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنزلت ، هي: " اقرأ " . فالأمر جاء مطلقًا غير مقيّد ، و يتكلم عن المسلم سواء كان امرأة أو سيّد.. فمن اظلم من تقوّل على الإسلام و افترى على خير الأنام .. و زعم أنه يمنع المرأة من اكتساب المهن و الحرفة ، أو يحرمها من تحصيل العلم و المعرفة . فأوحت أهواء الناس ، فتجأروا على رب الناس ، و نسبوا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ كلامًا ، ليس عليه من نور كلامه وقوله ، و ليس فيه من منطق الإسلام و عدله ، و هو " لا تعلموهن الكتابة، و لا تسكنوهن الغرف ". بالله يا هذا ، كيف ينهى رسول الله ـ عليه الصلاة و السلام ـ و يأتي مثله ؟ فقد روي أبو داود عن الشفاء بنت عبد الله قولها : (( دخل عليّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ و أنا عند حفصة ، فقال لي : ألا تعلّمين هذه رقية النّمِلة كما علمتها الكتابة )) .. و تابعت مسترسلة ، و بالشعر قائلة : هـذا رســـــــــــــول الله لم ***** ينقص حقوق المؤمنات العلم كان شريعـــــــــــــــة ***** لنسائه المتفقهـــــــــات رضن التجارة و السياسة ***** و العلوم الأخريـــــات . كانت سكينة تملأ الـــــــــد***** نيا و تهزأ بالــــــــــرواة روت الحـديث و فسّرت ***** آي الكتــــــاب البينات . ثم ما بال هؤلاء يؤمنون ببعض " الحديث " و يكفرون ببعض ، و ما تقوّلوه فغيض من فيض .. حيث منعوا النساء من القراءة و الكتابة ؛ و لكنهم أسكنوهن الصروح الممردة الخلابة ؟.. أن بعض " العلماء " على الأمة بلاء ، و أحكامهم لغوب و عناء .. فبعضهم زهّد هذه الأمة في أخذها من الدنيا نصيبها ، و ضيّقوا عليها أفق رحيبها ، وكم أشاعوا فيها من التواكل و التكاسل ، و ثبطوها عن الضرب في الأرض كالجنادل ، و حرموها من المشي في مناكبها ذات الدلائل ، و بعضهم غرس فيها جرثومة التعصب المذهبي فأهلكتها ، و منهم أحدث طائفية في الأمة فأكلتها .. حيث صار المسلم لا يصلي وراء أخيه المسلم ، لاختلافهما في المذهب لا المشرب ؛ بل أصبح المسلم يستحل دم أخيه المسلم بسبب اختلاف المذهب .. فكيف لا تتأخر امة و هذا النوع من " العلماء " هم قادتها ؟ و أنّى لأمة أن تنهض و هذا الصنف من " الفقهاء " رادَتُها ؟. يا هذا ! فالمرأة ظنت أن كلام الله قد وصل الأذن ، و أن التجارب و الأيام قد فتحت الأعين ، و شرحت الصدور ، و وسعت العقول ، و ميّـز الناس بين الدين الحق الذي جاء به محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ و بين " الدين " الذي اشاعه ضعاف و ضيّقوا العقول، و لكن الظنون كواذب ، و ظهر للمرأة عكس ذلك و تجلت العواقب ، و تأكدت من أنّ بعض الناس يضيّقون ما وسعه الله ، و يقيدون ما أطلقه الله ، و يمنعون ما أباحه الله من غير قرآن كريم، و لا ذي حجة عليم ، و لا حديث شريف ، و لا رأي حصيف ، و لا أجماع قويم ، و لا من قياس سليم .. فقلت لها : انكِ ـ يا أختاه !ـ تبالغين ، و بلا روية ولا تأن تعاندين .. فخنقت من كلامي و استشاطت ، و في غضبٍ قالت : ما رأيك ان عالمًا كبيرا ، و داعية شهيرا .أفنى سواده ، و أبلى بياضه للعلم ناشرًا ، و عن الإسلام مجادلاً مجاهرًا ، و ما يجحدُ أعماله و علمه ، إلاّ من يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله . و لكن ، كلامه ليس كله صوابًا ، و لا آراءه كلها حجة و جوابًا . فما هو إلا بشر يشمله قول الحبيب ـ عليه الصلاة و السلام ـ " كل بني ادم خطاء .... " ألف هذا العالم كتابًا و أملاه ، و بـ " الدستور الإسلامي " أسماه . كتاب ارتحت لعيانه، واهتززتُ لعنوانه.. و عندما قرأت ذلك " السفر" و تابعت ، و لكن يا هول ! ما رأيت و اطّلعت .. فقد حدد هذا الداعية المعلم ، للبنت سنوات التعلّم ، فقال : (( و أما سنوات التعليم فلتُحدّد بخمس سنوات فقط ، حيث تدخل البنت المدرسة في سن السادسة ، و تبارحها في نهاية السنة العاشرة من عمرها ، و لا تختبر أثناء الدراسة ، و لا تعطى شهادة بعدها ، و إنما يكفيها أن تدرس المقرر لكل سنة دراسية وافية ، و تطبقه في حياتها عمليّا ، إذ القصد الأول و الأخير من تعليم البنت المسلمة هو تربيتها ، و تعليمها أمر دينها ، و ما يصلح أخلاقها )) و يا هول الفاجعة، مخافة أن تحل بنا قارعة ، بل هي باقعة ما لها راقعة . و قد قرأت هذا" السفر" مرارًا و تكرارًا ، و بماذا خرجتُ ؟.. و ماذا استنتجتُ ؟ .. لا حظتُ أن فضيلة شيخنا فيما ذهب إليه لم يستشهد ، لا بآية قرآنية.. و فيما زعمه لم يؤكد ، لا بأحاديث نبوية ، و لا أقوال صحابة ، و لا آراء تابعين نجّابة.. ناهيك عن امام من ائمة المذاهب ، لعله يقيم الحجة و البرهان فيما إليه ذهب ... في حين استشهد في المسائل الأخرى فقد أقام " الحجة " بآيات قرآنية مادحــًا ، برهن بأحاديث نبوية صادحـًا ... و لو وجد مستندًا ، لِما ذهب إليه لما تردد في إرادهِ مؤكدًا . كما اعلم ـ و يعلم غيري ـ أن فضيلة الشيخ ممن يوصون المسلم بعرض بناته أو زوجته المصون، إذا أصابها مرض على طبيبة مسلمة ، فإن لم توجد فطبيبة للأدواء عالمة ، و لو لم تكن مسلمة ، فإن لم توجد فطبيب مسلم ، فإن لم يوجد فطبيب و لا يهم .. فللضرورة أحكام، و ما لمريضة إيلام .. و السؤال هو : كيف توجد طبيبة مسلمة. و سماحته قد أغلق الباب في وجه البنت المسلمة لتكون طبيبة أو متعلمة ؟.. و أعلم يا هذا ، أن ثورة كثير من النساء على " الإسلام " سببها هو حرمانهن من كثير مما منحه لهن الإسلام ... حيث زخرف البعض لهن بالقول و " البيان "، و أوحى لهن شياطين الإنس و الجان ، أن الإسلام هو المانع لهن عن بعض الحقوق ، فكانت منهن بعض الحنق و " العقوق " فارتَمينَ في أحضان هؤلاء الشياطين ، و اغتررن بزخرف القول من كلامهم الهجين ، فدفعنَ الثمن غاليّا من شرفهن ، أعراضهن ، و كرامتهن ، و استغلّهن أعداء الإسلام للإساءة للإسلام . و سكتت " صديقتي " و سكت ، بعد ان غلبتني ، و بالحجة أفحمتني .. و انصرفت غاضبة غير مودعة و لكنها قادحة ، و ابتعدت عني غير مصافحة .. و عدت أدراجي مهموم البال ، و تابعت طريقي مكسوف الحال. الكاتب :- qaswara المصدر: منتدى الخليج
|
|||||||||
|
|