والحقيقة إن ذلك وهم خادع وطلاء ظاهر تحته الشقاء والتعاسة التي ستنكشف عند أول هزة وبئس النجاح المزعوم الذي في داخل صاحبه غياهب من الشقاء وأكداس من التعاسة وإن مرحت بصاحبه المراكب الفارهة وتبوأ في نظر الناس المناصب العالية أو امتلك الثروات الطائلة.
وإليك أيها القارئ الكريم بعض القواعد العامة التي إذا حولها الإنسان إلى عمل في حياته تحقق له بإذن الله ما يُمكن أن نطلق عليه إدارة الذات بفعالية :
1- أدِّ حقوق الله - سبحانه وتعالى - عليك واستعن به فيما ينوبك من أمور الحياة ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) ؛ لأن الإنسان إذا أصلح ما بينه وبين ربه أصلح الله له أمور حياته، وإذا تعرف الإنسان إلى ربه وقت الرخاء وجده وقت الشدة (احفظ الله يحفظك) ومن ضيع حقوق ربه فهو لما سواها أضيع ( نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ).
ورحم الله القائل: ( في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله ، وفيه وحشة لا يزيلها إلاّ الأنس به، وفيه حزن لا يذهبه إلاّ السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلاّ الفرار إليه، وفيه فاقة لا يسدها إلاّ محبته والإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص له ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تُسدّ تلك الفاقة أبداً).
كن مع الله يكن معك، وحينئذٍ فلن تخيب سعيك إن شاء الله.
2- أملأ ذهنك بالتفاؤل وتوقع النجاح بإذن الله ، وليكن الاستبشار دائماً ، مسيطراً على فكرك وشعورك ( بشروا ولا تنفروا ).
3-ألزم نفسك بالتخطيط لأمور حياتك المختلفة وابتعد عن الفوضى والارتجالية في أعمالك قدر الإمكان ، نظم جهدك واتجه لهدف واضح محدد واحذر الفوضى في مسيرتك لهدفك، وقد تقدم الحديث عن التخطيط في الحياة في مكان سابق.
4-حوّل خططك في السعي نحو أهدافك إلى عمل ملموس وواضح حي، وابتعد عن التسويف والبطالة.
5- احذر من ضياع شيء من وقتك دون عمل فهو ضياع الحياة، واحرص على أن تتقدم نحو أهدافك كل يوم ولو خطوة واحدة، فمن سار على الدرب وصل
6-نظم أمورك بكتابة مواعيدك والتزاماتك والتعود على حفظها، وكذلك تنظيم وتصنيف أشياءك في منزلك ومكتبك وسيارتك وغيرها بطريقة مناسبة تسهل عليك التعامل معها،
7- قاوم محاولات النفس للهروب من الأعمال الجادة المهمة إلى المتعة واللهو باستمرار،
8-لا تنسى أن الأعمال أكثر من الأوقات، وحنيئذٍ فإياك أن تضيع أوقاتك في التوافه من الأمور بل قدم الأهم من الأعمال على ما سواه.
9-ليكن شعارك المبادرة والمسارعة إلى كل خير ومفيد مضى لا يعود أبداً والحياة سباق وهي أقصر من أن تنتظر أو تؤجل أو تسوف فيها.
10- اجعل البحث عن الحق ديدنك، واحذر النفاق بجميع صوره واشكاله، واصدع بكملة الحق بأدب وعفة وصدق ونَمِّ في نفسك القدرة على الحسم عند مفترق الطرق بين الحق والباطل.
11-لا تغرق في الكماليات فتهلك في الترف بل تزود من المتاع بما يكفيك في مسيرك نحو أهدافك ، ولا يثقل على كاهلك ( اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم)، ومن أصبح أسير الشهوات والملذات صعب عليه تركها وأصبحت إرادته هشة ضعيفة.
12-أخيراً اعلم أن في كل إنسان صفات ضعف وصفات قوة وهو أعلم الناس بحقيقة نفسه ما لم يكابر أو يجهل ، فالعاقل الموفق هو من وجّه حياته وعمله وتخصصه نحو ما فيه من صفات القوة ونأى بنفسه وحياته عن نقاط الضعف في شخصيته.
فكم من جوهرة تخطف الأبصار بأصفى الأشعة وأبهاها مستكنة في أغوار المحيطات المظلمة، وكم من زهرة استقامت على عودها في الصحراء مضيعة شذاها العطري مع سافيات البيداء ولو أُكتشفت هذه وتلك لكان لهما شأن آخر.
****
دكتور
عوض بن محمد القرني