البوميرانج: الكون المتمدد هو كون مسطح

 

البوميرانج: الكون المتمدد هو كون مسطح

البوميرانج: الكون المتمدد هو كون مسطح

هناك تحديث مثير لقصة الثابت الكوني قدمته لنا تجربة البوميرانج, ويقيس هذا المنظار الفلكي المحمول بواسطة بالون، درجة حرارة الكون بعد 300.000 سنة من الانفجار الكبير. إنها لحظة فريدة في تاريخ الكون، لأن هذا هو الوقت الذي بردت فيه مادته بما يكفى لتحرك الإشعاعات بحرية، بدون إرتطامها بالمادة بصورة منتظمة. وينظر المنظار الفلكي بوميرانج إلى ما يسميه الفلكيون "سطح التناثر الأخير" وهو آخر مناسبة تداخلت فيها الأشعة الحرارية للانفجار الكبير مع المادة ، قبل أن تأخذ طريقها إلى مناظيرنا الفلكية.

(2000 (c) بتصريح من بوميرانج. يستخدم بتصريح
تجهيز بوميرانج للإطلاق. ويطير المنظار الفلكي المحمول بواسطة البالون فوق القارة القطبية الجنوبية على ارتفاع 37 كيلو متراً اعتبارا من 29 ديسمبر عام 1998 حتى 9 يناير عام 1999.

ويبدو أن تلك الأشعة الحرارية تحيط بنا بطريقة منتظمة جداً, ففي أي اتجاه ننظر إليه ، فإننا ننظر في الواقع إلى الماضي السحيق بما يكفى لمشاهدة هذا " السطح " الذي يبرد والناتج من الانفجار الكبير. ولكن نظراً لأن هذا السطح يشير إلى آخر تداخل للمادة والإشعاع ، فإن الإشعاع يحمل آثارا من التغيرات الصغيرة في كثافة المادة عند ذلك الوقت. وهذه هي التموُّجات التي تحدث في الكثافة والتي تزداد في النهاية لتصبح هياكل ضخمة، إنها المجرات وعناقيد المجرات التي نراها اليوم.
وما علاقة كل ذلك بالثابت الكوني؟ إن الثابت الكوني هو رقم يقيس خاصية غامضة لما يسمى بـ " الفضاء الخالي" وهي تأثيره التجاذبي المؤكد. إن لمقدار عوامل التجاذب في الكون تأثير فعال على حجمه وشكله الهندسي كما تم شرحه في المقالة الرئيسية.
وينتج عن ذلك أن حجم التموُّجات التي تتسبب في تكوين المجرات يمكن التنبؤ به بكثير من الثقة، ويرجع ذلك إلى أن الكون في بداياته كان مجرد غاز ساخن، وأن التموُّجات في الكثافة تشبه سريان موجات الصوت في وسط غازي. وفى الواقع ، فإن حجمها – معبرا عنه بالسنين الضوئية – يساوى تقريباً سرعة الصوت مضروبة في عمر الكون عند " آخر تناثر ". ولكن بوميرانج يقيس حجم تلك التموُّجات كما تظهر في السماء، بقياس الزوايا، أي بالدرجات على سبيل المثال, وفى الواقع فإن أحجامها المثالية تكون حوالي ضعف حجم البدر عند النظر إليه من الأرض

(2000 (c) بتصريح من بوميرانج. يستخدم بتصريح
راقب بوميرانج نمط البقع الساخنة والباردة في الخلفية الكونية لإشعاعات الموجات الميكرونية (الميكروويف) (CMB)التي تملأ الكون (الصورة العليا). وتتم مقارنتها بنماذج الحاسب الآلي (الصف السفلي) ويتم تكبير الحجم الظاهري للمساحات الساخنة والباردة (الصف السفلي من اليسار) أو تصغيره(الصف السفلي من اليمين) طبقا لمدى انحناء الفضاء. وتشبه القياسات الفعلية إلى حد كبير النموذج الذي يفترض أن الكون مسطح.

والآن، إذا علمنا الحجم مقاسا بالزواية لشيء ما، وحجمه الفعلي، فانه يمكننا قياس بعده عنا. ونحن نقوم بذلك طول الوقت؛ ونحن نعرف على وجه التقريب مدى بعد تلة ما عنا لأن من يقفون عليها يبدون لنا صغارا جداً، وفى الكون المنحنى تكون عمليات الجمع أكثر صعوبة، ولكن المبدأ لا يختلف كثيراً, أما التعقيدات الأخرى فتتمثل في أننا يجب علينا التأكد من أن المسافة التي تم الاستدلال عليها حتى " آخر سطح تناثر " تلائم الإزاحة الحمراء أو العمر، وهو ما نعرفه على أي الحالات. ويعنى ذلك أن علينا أن نختار الفضاء المنحني الصحيح.
والآن وصلنا في النهاية إلى صلب الموضوع ! نستطيع أن نستنتج أن الكون " مسطح ". ويعنى ذلك، أنه يشبه الفضاء المألوف الذي ندرسه في مقرر الهندسة في المدرسة الثانوية، حيث تعتمد مساحة الدائرة على مربع نصف قطرها، وحيث لا يمكن للخطوط المتوازية أن تلتقي. وهذا هو النوع الوحيد من الهندسة الذي يمكن أن تتلاءم فيه المسافة التي نقيسها للتناثر الأخير، باستخدام الحجم مقاسا بالزاوية، مع ما نعرفه حول مدى قدم التناثر الأخير، ويمكن. القول أن علينا الحصول على :
المسافة = سرعة الضوء × مدى القدم .
وعندما تدخل في التفاصيل، لن تجد أيا من الفراغات الخيالية المنحنية، التي افترضتها نظرية انشتاين، تستطيع أن تحل المشكلة.
ولكن، وكما تشرح المقالة الرئيسية، فإن كون الفضاء منحنيا أو مسطحا، وما مدى انحناؤه، يعتمد على مقدار عوامل التجاذب المختزنة في الكون. ولا توجد في الكون كتلة عادية تكفي لجعله مُسطحا، فيجب إذا أن يأتي الباقي من التأثيرات المحيرة لعوامل التجاذب للفضاء الخالي، أي من الثابت الكوني.
وفى الواقع، تتفق نتائج بوميرانج وبيانات النجوم البعيدة المتفجرة (سوبرنوفا) في أن الثابت الكوني أهم كثيراً من المادة في تحديد انحناء الفضاء ومستقبل الكون. وبتعبير آخر، فاللاشيء مهم

المصدر: منتدى الخليج