الدرويش والطفل

 

الدرويش والطفل

كان لابد من إجراء عملية ترقيع لوجه الطفل لذا اضطر الطبيب لأن يأخذ قطعة من فخذ والده لكن المفاجأة أن الحمض النووي للرجل لم يكن مطابقاً لإبنه.

قال إنه يستطيع الاستغناء عن الطعام والشراب إلا أنه لا يستطيع الاستغناء عن النساء اللاتي يأتين إليه طائعات ودون أية مشقة.

أطلق عليه أهل الحي لقب (درويش) فقد كان كذلك، ليس له متطلبات أو طلبات، فكل ما يريده ثوباً نظيفاً وبيتاً بسيطاً يعيش فيه.

ورغم فقره كان يرفض الصدقة من أحد، فقد كانت نفسه عفيفة تماماً كما كانت أفعاله، وكثيراً ما كانت هذه السيدة أو تلك تذهب لترقي ابنتها أو ابنها عنده فهو يعرف من الأدعية الشيء الكثير، وحتى عندما كان يفعل ذلك كان يفعله لله.

علاج لكل الأمراض

اشتهر الدرويش في محيطه حتى انتقل اسمه وشهرته إلى الأحياء بل والمدن المجاورة، ومما زاد في شهرته أنه بدأ يستخدم الأعشاب في علاج الناس الذين يترددون عليه ورغم أنه كان يشتري معظمها من السوق من ماله الخاص كان يرفض أن يأخذ ثمناً لعلاج أحد.

كانت السيدة عندما تعطيه مالاً مقابل علاج ابنها أو علاجها يقول لها لا أريد المال فقط أريد أن تدعو لي، فالمال زائل والعمر زائل والدنيا زائلة ولا يبق إلا الدعاء الحسن. في أحد الأيام مرض الرجل مرضاً شديداً أوصله إلى حافة الموت. وهنا ظهرت مكانته، فقد تدفقت المئات من النساء لزيارته يحملن ما طاب ولذ من الطعام والشراب إليه، والغريب في الأمر أنه كان يقبل هدية هذه المرأة ليعطيها للمرأة الأخرى ويقبل هدية تلك ليعطيها لأخرى حتى ان بيته لم يبق فيه شيء.

كان الدرويش يعيش مع الخضروات حيث كان يشتري من السوق المركزي كمية متنوعة من الخضار ثم يذهب إلى البقالات الصغيرة ويبيعها فيكسب منها، ورغم ان مكتسبه لم يكن كبيراً إلا أنه كان راضياً بذلك.

الشيء الوحيد الذي كان لا يستغني عنه الدرويش هو العطر فقد كان يستخدم عطوراً ذائعة الصيت، حيث كان ثمن القنينة الواحدة يتجاوز ال80 دولاراً، وعندما كنت تسأله لماذا هذه العطور الغالية وظروفك المادية لا تسمح كان يقول أحب الرائحة الجميلة أكثر من رائحة الطعام فأنا أحب العطور وأستخدمها أينما ذهبت خاصة وأن العطور غير محرم استخدامها.

أصبحت وصفات الدرويش الطبية على كل لسان وكان يستخدم الأعشاب أمام المريض، حيث يقوم بغليها وإضافة ما يلزم إليها ثم يعطيها إلى المريض والمريض ينظر إليه، كانت كل حياته صفحة بيضاء مكشوفة فهو لا يخفي شيئاً عن أحد، والمهم في الأمر أن أحداً لا يستطيع ان يقول انه يستغل ذلك من أجل مصلحته الخاصة والسبب ان الدرويش لا يأخذ مالاً وإذا قدم له أحد هدية فإنه يعطيها للزائر الثاني فلا يحتفظ بها في بيته أبداً، حتى ان الأمر يصل به أنه لا يفتح تلك الهدية بل يعطيها للآخر دون ان يعرف ما فيها لأن الهدية وما فيها لا يعنيه أبداً ولا تساوي عنده شيئاً.

شكك البعض في قدرات الرجل فمنهم من قال انه دجال ومنهم من قال انه يستغل عقول البسطاء من الرجال والنساء لكن الجميع شهدوا له بالأخلاق الحسنة والسيرة الطيبة وأنه لا يأخذ مقابل الأدوية التي يقدمها للآخرين ولا يطلب منهم سوى الدعاء له بحسن الخاتمة.

حاول البعض ان ينصب له فخاً فيغريه بالمال لكنه كان يرفض بل أن أحدهم قال له ان ابنته تعاني آلاماً في جانبها الأيسر فإن شفيت على يديك سأعطيك سيارة. استمر الرجل يعالج الفتاة على مدى ثلاث جلسات وفعلاً شفيت من الألم وعندما حاول والدها ان يقدم له السيارة كما وعده أمسك الدرويش بمفتاح السيارة وقال للفتاة التي كان يعالجها هذه هديتي لك يا صغيرتي لأنك استجبت للعلاج.

هنا أخرج والد الفتاة مبلغاً كبيراً من المال ووضعه أمام الرجل وهم بالانصراف لكن الرجل قال له ان كنت بحاجة إلى المال فخذه وأن لم تكن في حاجة إليه فأرجوك ان تأخذه وأنت خارجاً من البيت وان تضعه في خزينة الصدقات الخاصة بالمسجد.

أصيب والد الفتاة بالذهول من هذا الرجل ومن تصرفاته وزهده فأخذ مفتاح السيارة والمال وخرج وهو يدعو للرجل بطول العمر الصحة والعافية.

انتقال مفاجئ

في أحد الأيام جاء رجل ومعه ابنته المتزوجة منذ أربع سنوات ولم تنجب ما أثار المشكلات بينها وبين زوجها لذا جاء بها والدها إلى الدرويش لعل وعسى.

لكن المفاجأة التي أزعجته انه وجد الدرويش ترك مكان سكناه وانتقل إلى مكان آخر.

بحث الرجل طويلاً وأخيراً اهتدى إلى سكن الدرويش حيث عرض عليه مشكلة ابنته.

جلس الرجل مع الفتاة ووالدها وتكلم معها عن كل ظروفها مع زوجها فأخبرته بأن زوجها طبيعي وكذلك هي وان الأطباء أكدوا لها ذلك، ولكن مع كل هذا فهي لا تستطيع الإنجاب ما أصبح يهدد حياتها الزوجية بالخطر خاصة وأنها تحب زوجها ولا تريد الانفصال عنه.

تمتم الدرويش بكلمات مسموعة ولكن غير مفهومة وقال لها يا ابنتي ان العطاء ليس بيدي ولكن قد أكون أنا سبباً، أمسكت المرأة بيد الدرويش وقبلتها لكنه سحبها منها بسرعة قائلاً لها أرجوك ألا تفعلي هذا مرة أخرى فلا يجوز ان ألمس امرأة غريبة عني ومحرمة عليّ.

قال له والد المرأة أنا سمعت عنك الكثير وسمعت بأنك لا تأخذ فلوساً ولا هدايا ولهذا ان كان شفاء ابنتي على يديك سأدعك تسكن عندي فهناك غرفة في حديقة منزلي لا يستخدمها أحد ولها باب خاص على الشارع وآخر على الحديقة وبالتأكيد ستكون سكناً مناسباً لك حيث تستطع ان تستخدم الباب الذي على الشارع عندما تريد ان تستقبل مرضاك والآخر عندما تريد ان تخلو إلى نفسك فتستمتع بالحديقة وما فيها من أزهار وأشجار.

لم يرفض الدرويش ولم يوافق وترك الأمر معلقاً بشفاء المرأة وبالعلاج الذي سيقدمه لها خاصة وأن المسألة فيها إنجاب وذرية.

كان من عادة الرجل الا يختلي بسيدة أبداً فهو يرفض ذلك مستنداً إلى الشرع لذا عندما كان يعالج المرأة كان يطلب من والدها البقاء معها حتى عندما يسألها أسئلة شخصية جداً وتخجل من الإجابة عليها كان يقول لها لا تخجلي فأنت بين والدك وطبيبك.

بدأت المرأة تأخذ العلاج المكون من العسل بشكل رئيسي واللوز المطحون والزعفران وأعشاب أخرى، وقال الرجل لها هذا ما استطيع ان أقدمه لك فإذا شفيت وحملت كان خيراً لك ولزوجك وإن لم يحدث ما تطلبينه وتبحثين عنه فأنت لن تخسري شيئاً فهذا العلاج مغذي جداً وستستفيدين منه بلا شك.

أخذت المرأة العلاج وخرجت من بيت الدرويش هي ووالدها ولا أحد يعرف ان كانت قد حملت أم لا فقد انتهت علاقتها بالدرويش ثم ان من عادة الدرويش ألا يسأل عن مرضاه وأن يتابع حالاتهم الصحية، لأنه يعتقد ان هذا ليس من شأنه، وحتى لا يظن مرضاه أنه لا يسأل ليطمئن عليهم بل أنه يسأل ليذكرهم بأن يعطوه شيئاً.

غرفة العناية المركزة

في أحد الأيام جاء ناظر إحدى المدارس إلى المستشفى وكان بين يديه طفل لا يزيد عمره على خمس سنوات كان الطفل وقع وهو يركض على زجاجة مشروب غازي كانت في يده وعندما وقع انكسرت الزجاجة ودخلت أجزاء منها في وجهه ويده. كانت حالة الطفل سيئة وكان من الضروري نقل دم له بسرعة، وفعلاً تم له ذلك وأخيراً استقرت حالته لكن المشكلة ان جزءاً من وجهه الأيسر كان ممزقاً كلياً وكانت بقايا الزجاج لاتزال فيه، لذا كان لابد من إزالة هذا الجزء. كان والد ووالدة الطفل مصدومين لحالة ابنهما إلا ان الطبيب أخبرهما ان الحالة ليست سيئة وأن وجه الطفل يمكن ان يتغلب على العملية مع مرور الوقت حيث ان خلاياه لاتزال في حالة نمو وكذلك عضلات وجهه.

بعد ان استعاد الطفل وعيه قرر الأطباء إجراء عملية تجميل لوجهه، بأخذ جزء من فخذ أبيه لرقع الوجه. وبعد موافقة الأب طلب منه إجراء فحوصات على دمه وعلى الـ خء وأخيراً قال الطبيب لوالد الطفل ان فصيلة دمه لا تتطابق مع فصيلة دم ابنه وهذا أمر طبيعي فقد يكون الرجل يحمل فصيلة دم +د في حين يحمل أبناؤه فصائل دم مختلفة. فوقع الخيار على الأم، حيث وجدوا ان جسم ابنها لن يرفض قطعة اللحم التي سيأخذونها من فخذها ليرقعوا بها وجهه، تمت العملية بنجاح واستطاع جسم الطفل ان يتقبل الجزء الذي أعطته إياه أمه ويوماً بعد يوم بدأ الوجه يعود إلى حالته الطبيعية.

يوم خروج الطفل من المستشفى جاء الزوج يحمل معه هدايا لكل العاملين في المستشفى حتى وصف العاملون في المستشفى ذلك اليوم بأنه يوم عيد لكثرة ما وزع فيه من حلويات وأطعمة ومشروبات غازية وورود وغير ذلك. وقبل ان يغادر الزوجان بابنهما إلى البيت طلب الطبيب الذي أجرى العملية من والدة الطفل ان تحضره إلى المستشفى كل ثلاثة أيام ولكن إن أحست بأي تغير في وجهه عليها ان تحضره حالاً. التزمت المرأة بما قاله الطبيب وكانت تتردد على المستشفى كل ثلاثة أيام مرة ثم تحسنت حالة الطفل وأصبحت تتردد كل خمسة عشر يوماً مرة حتى انقطعت عن المستشفى نهائياً لأن ابنها تعافى من مرضه وعاد له وجهه البريء كما كان وعادت البسمة إلى وجهي ابيه وأمه.

زيارة الطبيب

في أحد الأيام بينما كان الضابط المناوب جالساً في مكتبه جاءه طبيب لزيارته، وقال له قصة الطفل الذي وقع في المدرسة وتم ترقيع وجهه.

وأضاف الطبيب للضابط الأمر الذي اكتشفه بأن الطفل ليس ابناً لذاك الرجل، وبالطبع لم أكن قادراً على البوح بذلك لأن حياة الطفل كانت عندي أهم من أي شيء.

فقال له الضابط كيف عرفت أنه ليس ابنه، فقال الطبيب الأمر سهل جداً، فالحمض النووي (خء) للطفل يختلف تماماً عن الحمض النووي للرجل، ثم إني أجريت ذاك الاختبار مرات عدة وتأكدت أن الرجل ليس والد الطفل، وبقيت بين الشك واليقين حتى جاءت أم الطفل إلى مكتبي بعد أن طلبتها بالهاتف وتأكدت منها أن الطفل ليس ابناً لذاك الرجل فوجدت أن من الأمانة أن أخبرك.

شكر الضابط الطبيب وطلب منه ترك رقم هاتفه النقال لعله يحتاج إليه، ثم طلب استدعاء المرأة.

جاءت المرأة وهي تبكي وتقول للضابط لقد سترني الله فلا تفضحني والآن ابني عمره نحو خمس سنوات فماذا تريد مني. قال لها الضابط أقسم لك بشرف العسكرية التي أنتمي إليها لن أفضحك ولكن أريد أن أعرف الحقيقة لأن الطبيب أكد لي أن الطفل ليس ابن زوجك. بدأت المرأة تتكلم وهي تذكِّر الضابط بالقسم الذي قطعه على نفسه حيث قالت لم أنجب رغم أن الأطباء أكدوا لي أن حالتي الصحية جيدة ولا يوجد ما يعيق الإنجاب، وكذلك الحال بالنسبة لزوجي، وأخبرتنا إحدى السيدات برجل طبيب درويش يعالج من الأمراض وعندما ذهبت أنا ووالدي إليه وجدناه رجلاً صالحاً في مظهره، وبعد أن أعطاني الدواء بيومين اتصل بي وطلب مني أن أحضر وحدي، ففعلت وكان ما كان وحملت وظنّ زوجي ووالدي أنني حملت بسبب الوصفة التي أعطاني إياها الرجل الدرويش، ثم انقطعت عنه ولم أعد أراه، وقد فعلت ذلك خوفاً من أن يطلقني زوجي ويتزوج من امرأة أخرى.

بعد أن أنهت المرأة حديثها اتصل الضابط بالطبيب وقال له هل سجلت الملاحظات التي أخبرتني إياها في ملف الطفل؟ فقال الطبيب لا. فقال له الضابط حسناً فعلت والمرأة الآن أمامي واعتبر الأمر منتهياً فليس من مصلحة أحد تدمير أسرة.

وأضاف الضابط للطبيب كل ما عرفته عن أسرة الطفل أرجو أن تنساه وألا يتكلم أحد فيه ولا يعرفه أحد، قال الطبيب لو كنت أريد أن أكشف هذا السر لكشفته من أول الأمر.

بعد يومين كان الرجل الدرويش يجلس أمام الضابط وبالطبع لم يخبره بأمر تلك المرأة حتى لا يفضحها وحتى لا يقوم الدرويش باستغلالها.

قال له الضابط أنا أعرف عنك كل شيء، يا زير النساء. حاول الدرويش أن ينكر علاقته بأي امرأة لكن الضابط عرف كيف يعيده إلى صوابه، فاعترف قائلاً أنا لا أحب في هذه الدنيا سوى النساء ولي معهن مغامرات كثيرة، وقد استغليت تظاهري بالطيبة والمعالجة بالأعشاب حتى أصل إلى كل امرأة وقد حصلت على الكثير منهن. وبدأت الألسن تتحدث عن علاقاتي الخاصة معهن فخشيت أن ينفضح أمري فتركت الحي الذي كنت فيه وانتقلت إلى مكان ثانٍ وفي كل مكان أذهب إليه أجد من تصدقني وتقوم بالدعاية لي مجاناً.

وأضاف قد لا آكل يومين أو ثلاثة وقد استغني عن الماء وحتى عن الهواء لكنني لا أستطيع الاستغناء عن النساء. قال له الضابط لقد آذيت الكثير منهن ومن أزواجهن. فقال لم أطلب منهن الحضور إليّ بل كن هن يحضرن إليّ وأنا كنت لا أمانع.

تمت إحالة المتهم إلى المحكمة ومع شريط فيه اعترافاته في المحكمة وقف الضابط شاهداً على جريمة هذا النصاب وعندما سأله القاضي أن يحضر إحدى الضحايا لتدلي بشهادتها قال له الضابط يا سيدي لقد سترها الله فكيف نفضحها أمام زوجها وأبنائها وأهلها، فالأمر صعب. هنا سأل القاضي المتهم قائلاً هل ما جاء في اعترافاتك صحيح. فرد المتهم بنعم.

فقال القاضي نكتفي بهذا الدليل.


حسبي الله ونعم الوكيل معقول في خدع بهذا الشكل الان

المصدر: منتدى الخليج