آخر 10 مشاركات
|
الإهداءات |
|
| #15 | |||||||||
![]() ![]() ![]() ![]() ![]()
|
المظلومون في تاريخنا عباس بن فِرْناس.. ظلمه ومحاكمته (4) د. عبد الرحمن علي الحجي أستاذ التاريخ الإسلامي والأندلسي الحلقة الخامسة عشرة اعتبر البعضُ أن موضوع ابن فرناس والطيران، لا يعدو أن يكون خيالاً، وقصته منقولة مُتَوارَثة، بينما هو ثابت تاريخياً، حدوثه فعلاً وبديهياً، حيث دَوَّنه أوثق المؤرخين، ورآه شهودُ عِيان، تتابعت أحاديثهم وأخبارهم، أمراء وعلماء وأهل الفضاء أو الخضراء، وتم أمام جمهرة كبيرة من أهل قرطبة، ولم ينكر حدوثه أحدٌ أو يقلل من حقيقته مؤلفٌ أو يثير كاتب شُبْهةً حوله. وكان يومها قد غدا ابنُ فِرناس معروفاً جداً، في عدة ميادين، لا سيما في قرطبة الأمجاد، وربما رأى هذا المشهدَ مَنْ كان خارج المدينة أو في ضواحيها، حيث ارتفع أو بقي مرتفعاً، ولدقائق غير قليلة، وكان هو الذي دعا الناس وأعلنه لهم ليُشاهِدوُه، ولا شك أن مثل هذا الحدث في ذلك الزمان يهرع الناس متسابقين لرؤيته، فيكون الحضور جاداً وعاماً. غمطه والجهل بمكانته: ابنُ فرناس عالم موسوعي فريد، متعدد المواهب، تغذى في ذلك الجو الكريم، فأنتج في الكثير، وإن تفاوت إنتاجه، حتى لكأن الشاعر عناه وأمثاله بقوله في (نفح الطيب3-376): وكان من العلوم بحيثُ ** يُقْضى له في كُلِّ فَنٍّ بالجميعِ تفوق ابنُ فِرناسٍ، ليس فقط في عصره، بل في عصور تالية، فهو في المقدمة من أمثاله، الذين ماجت بهم الحياة الإسلامية وحضارتها الإنسانية الرائدة التي تعرضت للظلم أيضاً. والمجتمع الإسلامي يقدم على الدوام العلماء في كافة الميادين، وتجد نماذج فذة في كل القرون (نفح الطيب3-375-377). حضارته ودود ولود، أخذت أهلها بالجد والتقدم والبذل للعلم، تلقياً وبذلاً، حتى غدا ذلك لدى أهلها خُلقاً، ملحوظاً محموداً مشهوداًً. ماذا يُنْتَظر في مثل هذا الجو الذي يَعْتَبِر المنجزات البناءة، نوعاً من العبادة، يُثِيب اللهُ تعالى القائمَ بها؟! لدينا قوائم طويلة من الأعلام البارعة، نساءً ورجالاً، في كل حقول المعرفة، كثير منها ضاع، أحياناً حتى أسماؤهم أو نتاجهم، وبقي بعض أخبارهم، مثلما حدث مع ابن فرناس. اتهامه ومحاكمته: أثار ما كان يقوم به ابنُ فرناس من تجارب ومبتكرات نفراً قد أشكل فهمهم من الجَهَلة أو الحسَّاد أو المتعجلين، فشكوه إلى القاضي القرطبي: سليمان بن الأَسْوَد الغافقي "المشهور بعدله وورعه واستقامته، وعُمِّر مائة عام" (تاريخ علماء الأندلس ص 155، 156، تاريخ قضاة الأندلس ص 56 59).. وجرى استدعاؤه، وكانت جلسة تاريخية، استُعْرِضت فيها قرائن الاتهام والدفاع والشهود، وكان بين الشهود الأمير محمد نفسه، حضر وجلس كأحد الشهود. كان الأمير محمد "أيمنَ الخلفاء بالأندلس مُلكاً، وأسراهم نفساً، وأكرمهم تثبتاً وأناةً، وكان السعي عنده ساقطاً، يجمع إلى هذه الخلال الشريفة البلاغةَ والأدبَ" (الحُلَّة السِّيَراء1-119). وقد عُقِدت على عباس بن فرناس وثيقة بالزندقة (!!!)، وشَهِدَ بذلك عليه من العامة جماعةٌ، عند سليمان بن الأَسْوَد، فمنهم مَنْ قال: سَمِعْتُه يقول: مَفاعيلٌ مَفاعيلٌ، ومنهم مَنْ قال: رأيتُ الدمَ يفور من قناةِ داره ليلة يَنير، إلى أُحْموقاتٍ من شهودٍ جهلاء، كشفها القاضي فلم يجد طائلاً، وشاور الفقهاء فيما قُيِّد منها، فلم يَجِدْ إلى عقابه سبيلاً، فأفلتَ عباس بجُرَيْعة ذَقنِه".( المقتبس1-2-243). (أفلت بجريعة ذقنه: نجا من التلف). وكان مما قاله ابنُ فرناس للذين اتهموه بأعماله الكيماوية وتراكيب موادها، وجدة أشكالها وأحوالها، لاستخراج أمور متكونة من ذلك، ببديهية مُسلمة: "لو أتيت بالطحين ووضعته بالماء وعجنته، ليكون منه العجين، ووضعته على النار في التنور ليصبح خبزاً، وهو مختلف الحال، أيكون ذلك مُحَرّماً أم لنفع الناس؟ فقالوا: لنفع الناس. فقال: هذا ما أصنعه لأستخرج ما ينفع الناس". إنه يمزج الشيءَ بالشيء ويستعين بالنار على ما مزِجَه، فيأتي مما أمزج شيءٌ فيه منفعة للمسلمين.. ثم شرح لهم أوامر الله تعالى ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، في أن يعمل كل إنسان مسلم ما يتفق مع مواهبه، وأن من ملك علماً ولم ينفع به المسلمين فقد أَثِمَ، لأن العمل بمقدار الكفاءات من فروض الكفاية.. فحكم القاضي والفقهاء في الجلسة ببراءة عباس بن فرناس وأثنوا عليه، وحثوه على أن يستزيد من عمله وتجاربه، وشهد له الأمير بذلك. فخرج بريئاً، بل وشجعه القاضي للمضي في هذا السبيل، وعَمَلِ كُلِّ ما ينفع الأُمة. ومما تجدر الإشادة به في العام الماضي، ما قام به مركز التراث الإسلامي في مانشستر من عمل جليل مُبْهِج: حيث أقام مَعْرضاً، باسم: "ألف وواحد اختراع، في العلوم البحتة"، كان منها ما يخص ابن فرناس وقصة طيرانه: (www. 1001inventions.com). المصدر : مجلة المجتمع.
|
||||||||
| أدوات الموضوع | |
| انواع عرض الموضوع | |
|
|