منتدى الخليج - بحرين جديدة كما يتوقعها المتفائلون

بفضل الله ورعايته استطاعت البحرين وأبناء شعبها الكرام والمخلصين لها إحباط المحاولات اليائسة والمخططات الهدامة لشرذمة من الناس أرادت لهذا الوطن الخراب والدمار، وجر البلاد والعباد إلى مصير لا تحمد عقباه، بنشر العنف والرعب بين المواطنين والمقيمين وإتلاف المرافق العامة حتى أضحت البحرين غير البحرين التي نعرفها وعايشناها وعايشها آباؤنا وأجدادنا عشرات السنين وذاقوا الحلوة والمرة ومروا بظروف لا يعلمها إلا الله من شظف العيش وقلة الحيلة ومع ذلك استطاعوا أن يبنوا لنا بحرين العزة والكرامة بروح وشرف الانتماء إلى هذه الأرض الطيبة التي رعتهم واحتضنتهم في محبة وألفة وصفاء قلوب وطهارة نفس حتى غدا مجتمع البحرين مضرب الأمثال بين الجيران والإقليم والعالم كمجتمع متحضر قائم على التعايش السلمي بين طوائفه وأطيافه لا فرق بين مسلم ومسيحي ويهودي ولا بين شيعي وسني كلهم على الأرض سواء، مجموعة من البشر تآلفت قلوبهم وتوحدت كلمتهم حتى تحولوا إلى كتلة إنسانية تمثل مجتمعا آمنا مستقرا يحسده الآخرون على النعمة التي يعيشها.
ولكن من شاهد ظروف وأحداث شهري فبراير ومارس الماضيين، وعايش المحنة وانكوى بنيرانها، وقارنها بتلك الأيام الخوالي التي لم يعرف فيها المواطن والمقيم ذلك التمييز البغيض بين الشيعة والسنة أو بين المسلم والمسيحي واليهودي بل كان الناس يعيشون في وحدة مجتمعية قل مثيلها بين الامم، سيجد أن ما جرى من أحداث هو استثناء عن المألوف وخروج عما جبلت عليه النفوس البحرينية، وسيكتشف انحرافا بيّنا عن الفطرة البحرينية البسيطة القائمة على العيش الكريم والخلق القويم بين مختلف الطوائف والملل.
إن ما جرى من أحداث هي في حقيقتها أعمال غير مسئولة وتحركات مشبوهة تخصصت فيها قلة من البشر لا تمثل إلا نفسها أو من تأتمر بأمره أو تطبق سيناريو أعد لها مسبقا، وكان لفوضويتها آثار بليغة في نفوس الأغلبية من المواطنين المسالمين من أبناء الطائفتين الكريمتين، باعتبارها بداية فتنة طائفية أطلت برأسها على مجتمع البحرين الآمن عندما خلخلت الكثير من أركانه وكسرت نفسيته حتى كاد أن يقع في محظور الحرب الطائفية التي لو بدأت لا قدر الله فستأكل الجميع من دون تمييز بين مواطن مخلص ومواطن منافق خائن لبلده.
إذاً ما العمل الآن وقد انزاحت الغمة واستتب الأمن والأمان وعادت الحياة إلى مجراها الطبيعي وبدأت عجلة التنمية تدور والحركة الاقتصادية تأخذ سيرها المعتاد والمرافق العامة تواصل نشاطها؟ نتمنى أن يكون هذا التحرك مجرد بداية طيبة لتعزيز الوحدة الوطنية ولم الشمل ومساندة الوطن بحماية منجزاته وصون حريته واستقلاله، كما نأمل أن يكون ذلك بداية الطريق نحو أوضاع بحرينية جديدة مشرقة يملؤها الأمل بغد واعد ليس فيه أي مكان للتمييز في المذهب أو الطائفة، إنما يكون معيار المواطنة الحقة هو الانتماء الحقيقي والولاء المخلص للوطن بحراسة منجزاته ورعاية شئونه والمحافظة على حقوقه والذود عن كيانه وتجنب إثارة الفتن الطائفية والنعرات الفئوية، وفي الإجمال الابتعاد عن كل ما يسيء إليه من قريب أو بعيد.
لذلك فإن على الجميع مواطنين ومقيمين كل في موقعه واجبات وحقوق تجاه البحرين عليه أن يؤديها بكل حب ضمانا للاستقرار وثباتا للوحدة الوطنية، وأولها أن تختفي من قاموسنا الاجتماعي كلمات أسيء استخدامها وكانت السبب في اشتعال نار كانت خامدة تحت الرماد، نتمنى أن نغمض عيوننا ونفتحها فلا نجد كلمات تتداول بيننا على شاكلة شيعي وسني، ومسيحي ويهودي، ومواطن ومقيم، وبحريني أصيل ومتجنس فالكل في الحياة الإنسانية وأمام القانون سواء. وبالتالي لكي يكتمل تصورنا لبحريننا الجديدة فلابد أن نؤكد خريطة طريق جديدة تكون العناصر التالية موضع اهتمامات الجميع:
أولا: إن إقرار الأمن والاستقرار في كل ربوع البلد وبين المواطنين والمقيمين، وإعادة الوحدة الوطنية بين الطائفتين الكريمتين هو الأولى بالرعاية كقاعدة صلبة نبدأ بها مرحلة جديدة.
ثانيا: إن استمرار واكتمال التحقيق في ملابسات ما حدث ومعرفة الأبعاد المتكاملة للمخطط الإرهابي الذي تعرض له الوطن، وكشف المتورطين فيه، وفضح أمرهم بعد استجلاء توجهاتهم وخططهم ومن يقف وراءهم لهو القاعدة الثانية في تسلسل خطوات خريطة الطريق.
ثالثا: المحاسبة العادلة والعاجلة لمن كانت له أيادي شريرة في هذا المخطط وأراد للوطن السوء، عندما عرى نفسه من كل القيم والأخلاق وبانت نياته الخبيثة في تدمير كل إنجازات وطنه.
رابعا: إعادة دراسة وتقييم القوانين ذات الصلة باستتباب الأمن والسلامة الوطنية، وزيادة وتقوية المواد القانونية التي تعالج مثل هذه الأحداث الخبيثة التي قد تحصل مرة أخرى مستقبلا. مع تشديد العقوبات على من يستهين بسلامة وأمن الوطن وبكرامته وبعزته.
خامسا: من المستنكر وبعد ما جرى من أحداث سيئة التعامل في معالجتها بقاعدة «عفا الله عما سلف» أو «إصدار مكرمة تلو المكرمة» لإثبات نيات حسنة لا يستحقها الطرف المسيء، فبالقانون والقانون وحده من دون غيره لابد أن يتسيد لمعالجة الموقف ويكون الحكم الفصل في التمييز بين الصالح والطالح.
سادسا: الاعتماد على التلاحم الخليجي على المستوى الأمني والعسكري والسياسي والاقتصادي، وإن مشروعا متوقعا مثل تحول دول المجلس إلى كونفدرالية خليجية قد يكون طموحا سياسيا مقبولا بعد الأحداث التي جرت في البحرين والكويت، وفي الوقت نفسه نتمنى بقاء جزء من قوة درع الجزيرة على أرض البحرين بصورة دائمة حماية لها من أخطار خارجية قد تأتي في أي وقت.
سابعا: إن الأحداث الأخيرة أثبتت بما لا يدع مجالا للتردد والشك مدى الحاجة إلى وضع استراتيجية إعلامية دائمة تشرح وتعرف سياسات وخطط الدولة في كيفية التعامل مع الشأنين العام والخاص وفي معالجة الكثير من المشاكل التي يعانيها المجتمع ضمن الرؤى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية لحاضر ومستقبل البحرين.
ثامنا: لتحقيق الأفضل في جميع مناحي الحياة في مملكتنا الحبيبة، فالفرصة متاحة الآن وليس غدا لإعادة برمجة استراتيجية الأولويات في جميع مرافق المملكة لإنجاز أهداف عليا ترفد مسيرة التنمية والرخاء في البحرين الجديدة.
تاسعا: التطبيق الفوري والعملي لمبدأ (الثواب والعقاب)، فالثواب لمن يخلص للبحرين ويحفظها من كل الشرور، والعقاب لمن يعمل في العلن أو الخفاء لهدم وتخريب كل ما أنجزته الأيادي الخيرة.
عاشرا: الاهتمام بالمشاريع الاستراتيجية التي تمثل شريان الحياة لشعب البحرين باعتبارها استحقاقا وطنيا واجب الاعتبار، حماية من ظروف صعبة قد تأتي بها الأيام القادمة. إن مشاريع وطنية مثل الأمن الغذائي والأمن العسكري والأمن السكني والأمن المالي والسلامة الوطنية هي أسمى الخطط لدرء أخطار غير متوقعة.
اللهم احرس مملكتنا من كل مكروه، وأنعم عليها بالرخاء والطمأنينة، وألهم أهلها رجاحة العقل وصواب الفكر، وازرع في قلوبهم المحبة والتآلف إنك سميع مجيب الدعوات.